6‏/5‏/2012

أنتويرب البلجيكية... بريق الماس لعبتها



في شمال بلجيكا ثمّة مدينة بريق الماس لعبتها، تستريح على الضفة اليمنى الشرقية لنهر شيلدت، لتصاغ حولها الأساطير. إنها مدينة أنتويرب (أنفيرس بالفرنسية) التي يقال إن اسمها يعني «اليد المرمية». 
فبحسب الأسطورة أن عملاقًا اسمه أنتيغون كان يعيش على ضفة نهر شليدت، كان يفرض اتاوة على كل
سفينة تعبر النهر، ويقطع يد قبطانها ويرميها في النهر إذا رفض دفع الضريبة، إلى أن أتى بطل روماني كان اسمه برابو قتل العملاق ورمى يده في النهر، ومنذ ذاك الوقت عرفت المدينة باسم أنتويرب.
ويبدو أن ميل الإنسان إلى تصديق الأساطير أقوى من التفسير العلمي - التاريخي، فمخيّلتنا الإنسانية تُحبط في كثير من الأحيان نظريات العلم، مما يجعل بينها وبينه علاقة جدلية تدفعه إلى تحدّيها ليحقّق مقاصدها من حيث لا يدري.
فرغم وجود بعض النظريات العلمية التي ارتكزت على التحليل التاريخي، وفسّرت الاسم، استنادًا إلى غالو الروماني، بأنه أتى من antverpia ويعني قبل الرواسب للإشارة إلى الأراضي التي تشكّلت نتيجة الرواسب في المنحنى الداخلي لنهر شليدت، فإن الأسطورة انتصرت وتجسّدت بمنحوتة تقف وسط ميدان قرب مبنى بلدية المدينة
ومهما تلاعبت الأساطير بأخيلتنا، وحاول التاريخ الواقعي إقناع عقولنا، فمما لا شك فيها أن أنتويرب مدينة جميلة تضجّ بكل ما في بلجيكا من سحر تترجمه مبان تاريخية تتفاخر بهندستها المعمارية التي تجمع بين فن العصور الوسطى وعصر النهضة بمبانيه الضخمة، والفن الحديث، والفن المعاصر، كلّها تتجاور بانسجام فريد، فكأنما بينها اتفاق سرّي يتآمر على من يزور المدينة ليدخله في متاهة من الفن المحتشد في شوارع وأحياء أقل ما يقال عنها إنها أجنحة متحف مفتوح في الهواء الطلق.
متحف الماس 
التجوال في مدينة أنتويرب يبدأ من محطة القطار المركزية التي اختارتها مجلّة "نيوزويك" رابعة أجمل محطة قطار في العالم.
ن محطة القطار ينطلق الزائر إلى "شارع الماس" الذي يضم متحف الماس ليدخل في عالم "أفضل صديق للمرأة"، كما تقول الأغنية فيعرف أسراره ويتيه بين انعكاساته. فمن المعلوم أن أنتويرب مركز عالمي لتجارة الألماس. 
هنا في هذا المتحف يتعرّف الزائر إلى تاريخ هذا الحجر الساحر الذي يصقله خبراء الماس المحليون بعبقرية، حيث تروى حكاية ناس عاديين، في مقابل حدث فوق العادة.
فخلال الأسبوع ما عدا يوم الأربعاء يراقب زوّار المتحف حرفيًا فنانًا يحوّل حجر ألماس خشن إلى جوهرة برّاقة تشتهيها العين.

وفي غرف الكنوز الثلاث يستعرض الماس تاريخ أبّهته منذ القرن السادس عشر إلى الحاضر، في مجوهرات فريدة لم تكترث للزمن فتتنافس على إبهار الزائر، من بينها بروش الطاووس لمصمم المجوهرات غوستاف بوغراند و يعود إلى عام 1867، ومضرب التنس ECC المرصّع بـ 1617 ألماسة.
ويستضيف متحف الماس معارض المجوهرات مثل معرض بلينغ- بلينغ الأسطوري .
التسوّق في عالم أنتويرب ألماسي
بعد التجوال في عالم برّاق تعرض عليك أنتويرب استراحة في عالم التسوّق، فالمدينة اتّخذت شعارًا لها" Triomfelycke coopstad" مدينة التسوّق المنتصرة.
ويبدو أن هذا الشعار ينطبق على كل تفاصيلها، بغض النظر عن نوع التسوّق الذي يقوم به زائرها.
ويمكن تقسيم أنتويرب إلى سبع مناطق تسوّق كل واحدة فيها متخصصة بنوع معين رغم أنها تتشابه جميعها باستعراض أُبهتها المعمارية المتجسّدة في أبنية تاريخية تقبع عند أقدامها البوتيكات لأهم دور عرض الأزياء العالمية والمصممين البلجيكيين، وتتسلل شبكة عنكبوتية من الأسواق، فيستغني الزائر عن ركوب السيارة ويكفيه التسوّق سيرًا على القدمين... إنها فعلاً فردوس التسوّق
فمن منطقة الماس إلى منطقة ماير Meir حيث قاعة ستادفيستزال Stadsfeestzaal التي بناها المهندس المعماري أليكسس فان ميشلين على نمط النيو- كلاسيكي عام 1908، وكانت في ما مضى مخصصة للمعارض والأحداث المهمة، إلى أن تعرضت للحريق عام 2000 وأعيد ترميمها عام 2004 وتم افتتاحها عام 2007 مركزًا للتسوّق، محتفظةً بتصميمها كما كانت على سيرتها الأولى، فالسلالم فيها من الرخام، واكتست أرضها بالباركيه، وجدرانها بالفسيفساء.
مما يجعل التسوق في ستادفيتزال تجربة ماسية بامتياز. ومن ماير يمكن الإنتقال إلى "غراند بازار شوبينغ سنتر" الموجود في غرونبلاتس Groenplaats الذي يضم أكثر من خمسين متجرًا منها ما هو للملابس ومنها تعرض لأعمال مهندسي الديكور الداخلي، ومنها مكتبات وسوبر ماركت. 
ومن غراند بازار تأخذك الموضة في أنتويرب إلى متحفها " مو مو"Mo Mu المحاط بمنطقة الموضة التي تضم بوتيكات لأشهر المصممين مثل درايزفان نوتن، والتر فان بايرندونك وآنا هايلين.
وكما كل المدن الكبرى فإن كثرًا ممن يزورون أنتويرب بقصد الأعمال، وقد لا يكون لديهم الوقت الكافي للتسوّق أو تحقيق شغف التسوّق، لذا ففي إمكانهم الاتصال بأحد خبراء التسوّق وطلب المساعدة، فهذا الخبير سيقوم بالتسوق من الألف إلى الياء تبعًا لرغبة الزبون وذوقه

وإضافة إلى معرفة الخبير بالموضة فإنه يكون متخصصاً بنوع آخر من التسوّق مثل الهندسة المعمارية، أو الكتب أو الأنتيك...
أينما تجوّلت في المدينة تجد التاريخ متناثرًا هنا وهناك في أماكن رحبة وأحيانًا محتشدًا في شوارع ضيّقة فلن تنفلت من قبضته أو تتجاهل حضوره.
فعلى طول 1,6 كليومتر تسير على خطى تاريخ العصور الوسطى المتسرب في Ruien وهي عبارة عن أقنية ماء وخنادق ذات هندسة معمارية فريدة، شُيدت في الأصل بهدف الدفاع عن المدينة واستجلاب مياه المطر ونقل المياه إلى بيوت المدينة.
التجوال في جوف الأقنية يكشف تاريخ أنتويرب ويدخلك إلى عالمه. أما ستين Steen، أو ستون، أي الحجر، فهو واحد من أقدم المباني في أنتويرب ويعود إلى عام 1225، فقد كان جزءًا من حصن المدينة حين كان مقر إقامة الحاكم العسكري، ومن ثم تحوّل سجنًا.
وفي "روبن هاوس" يغوص الزائر في حياة هذا الفنان الذي عاش في هذا المنزل وأنتج أروع الأعمال الفنية، فتجد نفسك وسط الفن الباوروكي متجسد في أعمال روبن الرسام والمهندس المعماري

هذا بعض مما تستعرضه أنتويرب التي لا تعرف إلا أن تتباهى ببريقها الماسي المتقاطع إشعاعه مع كل تفصيل فيها، التاريخ والموضة والفن والهندسة المعمارية والجغرافيا، فلا عجب أن تكون جوهرة بلجيكا التي تزداد بريقًا مع مرور الزمن اللامتناهي.


المصدر:مجله لها

اقرأ ايضا