تظل المقاهي في الوطن العربي تحمل من تاريخ كل بلد على حدة، وتأتي من الماضي بالمفتاح الذي يعبر بنا من أبواب الحاضر إلى المستقبل، حتى أنها باتت من أهم المقاصد السياحية للأجانب. وإذا كان المصريون يفخرون بمقاهي الفيشاوي وريش فإن الدمشقيين
يضاهون مقهى “النوفرة” التاريخي بهما، ولم يقف المغاربة أيضاً مكتوفي الأيدي ولديهم مقهى “الحافة” في طنجة، أما عن مقاهي باب سويقة في العاصمة التونسية فحدث ولا حرج. وفي السطور المقبلة سنتعرف سوياً على أهم المقاهي التاريخية في هذه البلدان وكيف أصبحت محطة هامة يقصدها كل سائح أو حتى عابر سبيل.
مقهى الفيشاوي.. القاهرة
بدأ مقهى “الفيشاوي” في حي الحسين بالقاهرة، ببوفيه صغير أنشأه الحاج فهمي علي الفيشاوي عام 1797 في قلب خان الخليلي ليجلس فيه رواد خان الخليلي من المصريين والسياح، واستطاع أن يشتري المتاجر المجاورة له، ويحولها إلى مقهى كبير ذي ثلاث حجرات.
أولى غرف المقهى غرفة “الباسفور” وهي مبطنة بالخشب المطعم بالأبنوس، وأدواتها من الفضة والكريستال والصيني، وكانت مخصصة للملك فاروق، آخر ملوك مصر وكبار الضيوف من العرب والأجانب. وثاني الغرف أطلق عليها “التحفة” وهي مزينة بالصدف والخشب المزركش والعاج والأرابيسك والكنب المكسو بالجلد الأخضر وهي خاصة بالفنانين، وكان أشهرهم الروائي الشهير نجيب محفوظ.
أما أغرب الحجرات فهي حجرة “القافية”، وكانت الأحياء الشعبية في النصف الأول من القرن العشرين تتبارى كل خميس من شهر رمضان في القافية، عن طريق شخص يتسم بخفة الظل وسرعة البديهة وطلاقة اللسان يبدأ الحديث ثم يرد عليه زعيم آخر يمثل حياً آخر، ويستمران في المنازلة الكلامية حتى يسكت أحدهما الآخر.
ويشتهر مقهى الفيشاوي بالشاي الذي يقدمه، سواء الأسود منه أو الأخضر، حيث يقدم في إبريق معدني صغير، تفوح منه رائحة النعناع، على مائدة معدنية صغيرة، كما تقدم فيه النارجيلة (الشيشة) بنكهات مختلفة، وهو أكثر شيء يقبل عليه مرتادو “الفيشاوي” خاصة من الأجانب.
مقهى النوفرة.. دمشق
دمشق هي الأخرى كغيرها من عواصم ومدن العالم الكبيرة، اشتهرت بانتشار المقاهي التي يرتادها المثقفون والأدباء والساسة، ومن أهمها “النوفرة” في دمشق القديمة أمام الباب الشرقي للجامع الأموي، والذي ما زال مفتوحا منذ 500 عام كمقهى شعبي تراثي يرتاده السياح خصوصاً الأوربيين، لموقعه الفريد بالقرب من الجامع الأموي أهم مزارات العاصمة السورية، ولكون جميع حارات دمشق القديمة تتفرع من عند مقهى النوفرة.
وسُمي المقهى بالنوفرة نسبة للنافورة التي كانت تتدفق بارتفاع 4 إلى 5 أمتار في بحرة مجاورة للمكان، وقد توقفت هذه النافورة عن التدفق بعد توقف النهر الذي كان يغذيها واسمه “نهر يزيد” عن الجريان منذ 50 عاماً. ويحتفظ المقهى بالتراث العريق للمقاهي الدمشقية القديمة المتمثل بوجود الحكواتي الذي يروي قصص بطولات عنترة بن شداد والزير سالم وبمختلف اللغات، ومع دخول التلفزيون إلى سوريا وانتشاره في 1960 م، استبدلت عدة مقاه الحكواتي بالتلفزيون باستثناء مقهى النوفرة الذي مازال محافظاً على هذا التراث.
مقهى الحافة.. طنجة
في مدينة طنجة المغربية يوشك مقهى الحافة الذي أنشئ عام 1921 أن يكمل قرناً كاملاً، واشتهر هذا المقهى بأنه المكان المفضل لمشاهير الفن والسياسة والثقافة، سواء المغاربة منهم أم الأجانب،و ذاع صيته في أوروبا وأميركا والعالم العربي، وعشق الإسبان تحديداً المقهى لأنه يضعهم مقابل شواطئ بلادهم، حيث تبدو الشواطئ الإسبانية قريبة جداً، وهي التي لا يفصلها عن البر المغربي أكثر من 14 كيلومتراً.
المقهى ذو بناء بسيط ويقع على هضبة مطلة على مضيق جبل طارق، ويمنح زائريه الهدوء بإطلالة على جبل طارق وأوروبا. ويمضي مرتادوه الوقت في رشف الشاي وتأمل زرقة المضيق والتسلي بمشهد النحل الذي يتجمع حول أكواب الشاي الأخضر شديد الحلاوة .
المصدر:travelerpedia